المجلد الأول
ذكر خط مدينة المنصور وتحديدها
পৃষ্ঠা - ৯০
قلت: ذكرت هذا الخبر للقاضي أبي القاسم عَلِيّ بْن المحسن التنوخي رحمه الله، فقال: مُحَمَّد الأمين أيضا لم يقتل في المدينة، وإنما كان قد نزل في سفينة إِلَى دجلة يتنزه، فقبض عليه في وسط دجلة وقتل هناك، ذكر ذلك الصولي وغيره.
وَقَالَ أَحْمَد بْن يعقوب الكاتب: وقتل الأمين خارج باب الأنبار عند بستان طاهر.
عدنا إلى خبر بناء مدينة السلام:
ذكر خط مدينة المنصور وتحديدها
ومن جعل إليه النظر في ترتيبها
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَر الْحَسَن بْن عثمان بْن أَحْمَد بْن الفلو الواعظ، قَالَ: أَنْبَأَنَا جعفر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الحكم الواسطي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الفضل العباس بْن أَحْمَد الحداد، قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن البربري، يقول: مدينة أبي جعفر ثلاثون ومائة جريب، خنادقها وسورها ثلاثون جريبا، وأنفق عليها ثمانية عشر ألف ألف، وبنيت في سنة خمس وأربعين ومائة.
وَقَالَ أَبُو الفضل: حَدَّثَنِي أَبُو الطيب البزاز، قَالَ: قَالَ لي خالي وكان قيم بدر: قَالَ لنا بدر غلام المعتضد: قَالَ أمير المؤمنين: انظروا كم هي مدينة أبي جعفر؟ فنظرنا وحسبنا، فإذا هي ميلين مكسر في ميلين.
قلت: ورأيت في بعض الكتب أن أبا جعفر المنصور أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف ألف وثمان مائة وثلاثة وثمانين درهما، مبلغها من الفلوس مائة ألف
পৃষ্ঠা - ৯১
ألف فلس وثلاثة وعشرون ألف فلس، وذلك أن الأستاذ من الصناع كان يعمل يومه بقيراط إِلَى خمس حبات، والروزجاري يعمل بحبتين إِلَى ثلاث حبات.
قلت: وهذا خلاف ما تقدم ذكره من مبلغ النفقة على المدينة، وأرى بين القولين تفاوتا كثيرا، والله أعلم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق البزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر الخلدي إملاء، قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بْن مخلد الدقاق، قَالَ: سمعت داود بْن صغير بْن شبيب بْن رستم البخاري، يقول: رأيت في زمن أَبِي جعفر كبشا بدرهم، وحملا بأربعة دوانق، والتمر ستين رطلا بدرهم، والزيت ستة عشر رطلا بدرهم، والسمن ثمانة أرطال بدرهم، والرجل يعمل بالروزجار في السور كل يوم بخمس حبات.
قلت: وشبيه بهذا الخبر ما أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أبي بكر، قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بْن أَحْمَد الدقاق، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن سلام السواق، قَالَ: سمعت أبا نعيم الفضل بْن دكين، يقول: كان ينادى على لحم البقر في جبانة كندة تسعين رطلا بدرهم، ولحم الغنم ستين رطلا بدرهم، ثم ذكر العسل، فقال: عشرة أرطال، والسمن اثني عشر رطلا.
قَالَ الْحَسَن بْن سلام: فقدمت بغداد فحدثت به عفان، فقال: كانت في تكتي قطعة فسقطت على ظهر قدمي
পৃষ্ঠা - ৯২
فأحسست بها، فاشتريت بها ستة مكاكيك دقيق الأرز.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الوراق، وأحمد بْن عَلِيّ المحتسب، قالا: أخبرنا مُحَمَّد بْن جعفر النحوي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد السكوني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خلف، قَالَ: قَالَ يحيي بْن الْحَسَن بْن عَبْد الخالق: خط المدينة ميل في ميل، ولبنها ذراع في ذراع.
قَالَ مُحَمَّد بْن خلف: وزعم أَحْمَد بْن محمود الشروي أن الذي تولى الوقوف على خط بغداد: الحجاج بْن أرطاة وجماعة من أهل الكوفة.
وزعم أَبُو النضر المروزي أنه سمع أَحْمَد بْن حَنْبَل يقول: بغداد من الصراة إِلَى باب التبن.
قلت: عنى أَحْمَد بهذا القول مدينة المنصور وما لاصقها واتصل ببنائها خاصة؛ لأن أعلى البلد قطيعة أم جعفر دونها الخندق يقطع بينها وبين البناء المتصل بالمدينة، وكذلك أسفل البلد من محال الكرخ وما يتصل به يقطع بينه وبين المدينة الصراة، وهذا حد المدينة وما اتصل بها طولا.
فأما حد ذلك عرضا، فمن شاطئ دجلة إِلَى الموضع المعروف الكبش والأسد، وكل ذلك كان متصل الأبنية متلاصق الدور والمساكن، والكبش والأسد الآن صحراء مزروعة، وهي على مسافة من البلد، وقد رأيت ذلك الموضع مرة واحدة خرجت فيها لزيارة قبر إِبْرَاهِيم الحربي وهو مدفون هناك، فرأيت في الموضع أبياتا كهيئة القرية يسكنها المزارعون والحطابون، وعدت إِلَى الموضع بعد ذلك فلم أر فيه أثرا لمسكن.
وَقَالَ لي أَبُو الحسين هلال بْن المحسن الكاتب:
পৃষ্ঠা - ৯৩
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ بشر بْن عَلِيّ بْن عبيد الكاتب النصراني، قَالَ: كنت أجتاز بالكبش والأسد مع والدي، فلا أتخلص في أسواقها من كثرة الزحمة.
بلغني عَنْ مُحَمَّد بْن خلف وكيع: أن أبا حنيفة النعمان بْن ثابت، كان يتولى القيام بضرب لبن المدينة وعدده حتى فرغ من استتمام بناء حائط المدينة مما يلي الخندق.
وكان أَبُو حنيفة يعد اللبن بالقصب، وهو أول من فعل ذلك فاستفاده الناس منه.
وذكر مُحَمَّد بْن إسحاق البغوي: أن رباحا البناء حدثه، وكان ممن تولى بناء سور مدينة المنصور، قَالَ: وكان بين كل باب من أبواب المدينة إِلَى الباب الآخر ميل، وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنتان وستون ألف لبنة من اللبن الجعفري، فلما بنينا الثلث من السور لقطناه، فصيرنا في الساف مائة ألف لبنة وخمسين ألف لبنة، فلما جاوزنا الثلثين لقطناه، فصيرنا في الساف مائة ألف لبنة وأربعين ألف إِلَى أعلاه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الوراق وأحمد بْن عَلِيّ المحتسب، قالا: أخبرنا مُحَمَّد بْن جعفر النحوي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد السكوني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خلف، قَالَ: قَالَ ابْن الشروي: هدمنا من السور الذي يلي باب المحول قطعة، فوجدنا فيها لبنة مكتوب عليها بمغرة: وزنها مائة وسبعة عشر رطلا.
قَالَ: فوزناها فوجدناها كذلك.
قَالَ مُحَمَّد بْن خلف: قالوا: وبنى المنصور مدينته، وبنى لها أربعة أبواب، فإذا جاء أحد من الحجاز دخل من باب الكوفة، وإذا جاء من المغرب دخل من باب الشام، وإذا جاء أحد من الأهواز والبصرة وواسط واليمامة
পৃষ্ঠা - ৯৪
والبحرين دخل من باب البصرة، وإذا جاء الجائي من المشرق دخل من باب خراسان، وذكر باب خراسان كان قد سقط من الكتاب فلم يذكره مُحَمَّد بْن جعفر عَنِ السكوني وإنما استدركناه من رواية غيره وجعل، يعني: المنصور، كل باب مقابلا للقصر، وبنى على كل باب قبة، وجعل بين كل بابين ثمانية وعشرين برجا، إلا بين باب البصرة وباب الكوفة فإنه يزيد واحدا، وجعل الطول من باب خراسان إِلَى باب الكوفة ثمان مائة ذراع، ومن باب الشام إِلَى باب البصرة ست مائة ذراع، ومن أول أبواب المدينة إِلَى الباب الذي يشرع إِلَى الرحبة خمسة أبواب حديد.
وذكر وكيع فيما بلغني عنه: أن أبا جعفر بنى المدينة مدورة؛ لأن المدورة لها معان سوى المربعة، وذلك أن المربعة إذا كان الملك في وسطها كان بعضها أقرب إليه من بعض، والمدور من حيث قسم كان مستويا لا يزيد هذا على هذا ولا هذا على هذا، وبنى لها أربعة أبواب، وعمل عليها الخنادق، وعمل لها سورين وفصيلين بين كل بابين فصيلان، والسور الداخل أطول من الخارج.
وأمر أن لا يسكن تحت السور الطويل الداخل أحد ولا يبني منزلا، وأمر أن تبنى الفصيل الثاني مع السور المنازل لأنه أحصن للسور، ثم بنى القصر والمسجد الجامع.
وكان في صدر قصر المنصور إيوان طوله ثلاثون ذراعا، وعرضه عشرون ذراعا، وفي صدر الإيوان مجلس عشرون ذراعا في عشرين ذراعا، وسمكه عشرون ذراعا، وسقفه قبة، وعليه مجلس مثله فوقه القبة الخضراء، وسمكه إِلَى أول حد عقد القبة عشرون ذراعا، فصار من الأرض إِلَى رأس القبة الخضراء ثمانين ذراعا، وعلى رأس القبة تمثال فرس عليه فارس، وكانت القبة الخضراء ترى من أطراف بغداد.
পৃষ্ঠা - ৯৫
حَدَّثَنِي القاضي أَبُو القاسم التنوخي، قَالَ: سمعت جماعة من شيوخنا يذكرون: أن القبة الخضراء كان على رأسها صنم على صورة فارس في يده رمح، فكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومد الرمح نحوها، علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة فلا يطول الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيا قد نجم من تلك الجهة، أو كما قَالَ.
أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيم بْن مخلد القاضي، قَالَ: أَخبرنا إسماعيل بْن عَلِيّ الخطبي، قَالَ: سقط رأس القبة الخضراء، خضراء أبي جعفر المنصور، التي في قصره بمدينته يوم الثلاثاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثلاث مائة، وكان ليلتئذ مطر عظيم ورعد هائل وبرق شديد، وكانت هذه القبة تاج بغداد وعلم البلد ومأثرة من مآثر بني العباس عظيمة، بنيت أول ملكهم وبقيت إِلَى هذا الوقت، فكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة.
قَالَ وكيع فيما بلغني عنه: إن المدينة مدورة عليها سور مدور، قطرها من باب خراسان إِلَى باب الكوفة ألفا ذراع ومئتا ذراع، ومن باب البصرة إِلَى باب الشام ألفا ذراع ومائتا ذراع، وسمك ارتفاع هذا السور الداخل وهو سور المدينة في السماء خمسة وثلاثون ذراعا، وعليه أبرجة سمك كل برج منها فوق السور خمسة أذرع، وعلى السور شرف.
وعرض السور من أسفله نحو عشرين ذراعا.
ثم الفصيل بين السورين وعرضه ستون ذراعا.
ثم السور الأول وهو سور الفصيل ودونه خندق.
وللمدينة أربعة أبواب: شرقي وغربي وقبلي وشمالي، لكل باب منها بابان باب دون باب، بينهما دهليز ورحبة يدخل إِلَى الفصيل الدائر بين السورين، فالأول باب الفصيل، والثاني باب المدينة، فإذا دخل الداخل من باب خراسان الأول عطف على يساره في دهليز أزج معقود بالآجر والجص، عرضه عشرون ذراعا وطوله ثلاثون ذراعا، المدخل إليه في
পৃষ্ঠা - ৯৬
عرضه، والمخرج منه من طوله مخرج إِلَى رحبة مادة إِلَى الباب الثاني طولها ستون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا، ولها في جنبتيها حائطان من الباب الأول إِلَى الباب الثاني طولها ستون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا في صدر هذه الرحبة في طولها الباب الثاني وهو باب المدينة، وعن يمينه وشماله في جنبتي هذه الرحبة بابان إِلَى الفصيل، فالأيمن يؤدي إِلَى فصيل باب الشام، والأيسر يؤدي إِلَى فصيل باب البصرة، ثم يدور من باب البصرة إِلَى باب الكوفة، ويدور الذي انتهى إِلَى باب الشام إِلَى باب الكوفة، على نعت واحد وحكاية واحدة.
والأبواب الأربعة على صورة واحدة، في الأبواب والفصلان والرحاب والطاقات.
ثم الباب الثاني وهو باب المدينة وعليه السور الكبير الذي وصفنا، فيدخل من الباب الكبير إِلَى دهليز أزج معقود بالآجر والجص، طوله عشرون ذراعا، وعرضه اثني عشر ذراعا، وكذلك سائر الأبواب الأربعة.
وعلى كل أزج من آزاج هذه الأبواب مجلس له درجة على السور يرتقى إليه منها.
على هذا المجلس قبة عظيمة ذاهبة في السماء سمكها خمسون ذراعا مزخرفة، وعلى رأس كل قبة منها تمثال تديره الريح لا يشبه نظائره.
وكانت هذه القبة مجلس المنصور إذا أحب النظر إِلَى الماء، وإلى من يقبل من ناحية خراسان.
وقبة على باب الشام كانت مجلس المنصور إذا أحب النظر إِلَى الأرباض وما والاها.
وقبة على باب البصرة كانت مجلسه إذا أحب النظر إِلَى الكرخ ومن أقبل من تلك الناحية.
وقبة على باب الكوفة كانت مجلسه إذا أحب النظر إِلَى البساتين والضياع، وعلى كل باب من أبواب المدينة الأوائل والثواني باب حديد عظيم جليل المقدار، كل باب منها فردان.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الوراق وأحمد بْن عَلِيّ المحتسب، قالا: أَخبرنا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد السكوني، قَالَ: حَدَّثَنَا
পৃষ্ঠা - ৯৭
مُحَمَّد ابْن خلف، قَالَ: قَالَ أَحْمَد بْن الحارث، عَنِ العتابي: أن أبا جعفر نقل الأبواب من واسط، وهي أبواب الحجاج، وأن الحجاج وجدها على مدينة كان بناها سُلَيْمَان بْن داود عليهما السلام بإزاء واسط، كانت تعرف بزندورد وكانت خمسة، وصير على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة، وعلى باب الكوفة الخارج بابا جيء به من الكوفة من عمل القسري.
وعمل هو لباب الشام بابا فهو أضعفها.
وابتنى قصره الذي يسمى الخلد على دجلة، وتولى ذلك أبان بْن صدقة والربيع، وأمر أن يعقد الجسر عند باب الشعير، وأقطع أصحابه خمسين في خمسين.
قلت: إنما سمي قصر المنصور الخلد تشبيها له بجنة الخلد، وما يحويه من كل منظر رائق، ومطلب فائق، وغرض غريب، ومراد عجيب.
وكان موضعه وراء باب خراسان، وقد اندرس الآن فلا عين له ولا أثر.
حَدَّثَنِي الْقَاضِي أَبُو القاسم عَلِيّ بْن المحسن التنوخي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن عبيد الزجاج الشاهد، وكان مولده في شهر رمضان من سنة أربع وتسعين ومائتين، قَالَ: أذكر في سنة سبع وثلاث مائة، وقد كسرت العامة الحبوس بمدينة المنصور، فأفلت من كان فيها، وكانت الأبواب الحديد التي للمدينة باقية، فغلقت وتتبع أصحاب الشرط من أفلت من الحبوس، فأخذوا جميعهم حتى لم يفتهم منهم أحد.
عدنا إِلَى كلام وكيع المتقدم، قَالَ: ثم يدخل من الدهليز الثاني إِلَى رحبة مربعة عشرون ذراعا في مثلها، فعلى يمين الداخل إليها طريق وعلى يساره طريق، يؤدي الأيمن إِلَى باب الشام والأيسر إِلَى باب البصرة.
والرحبة كالرحبة التي وصفنا، ثم يدور هذا الفصيل على سائر الأبواب بهذه الصورة، وتشرع في هذا الفصيل أبواب السكك، وهو فصيل ماد مع السور، وعرض كل فصيل من هذه الفصلان من السور إِلَى أفواه السكك خمس وعشرون ذراعا،
পৃষ্ঠা - ৯৮
ثم يدخل من الرحبة التي وصفنا إِلَى الطاقات، وهي ثلاثة وخمسون طاقا سوى طاق المدخل إليها من هذه الرحبة، وعليه باب ساج كبير فردين، وعرض الطاقات خمس عشرة ذراعا، وطولها من أولها إِلَى الرحبة التي بين هذه الطاقات والطاقات الصغرى مائتا ذراع، وفي جنبتي الطاقات بين كل طاقين منها غرف كانت للمرابطة، وكذلك لسائر الأبواب الباقية، فعلى هذه الصفة سواء، ثم يخرج من الطاقات إِلَى رحبة مربعة عشرون ذراعا في عشرين ذراعا، فعن يمينك طريق يؤدي إِلَى نظيرتها من باب الشام، ثم تدور إِلَى نظيرتها من باب الكوفة، ثم إِلَى نظيرتها من باب البصرة.
ثم نعود إِلَى وصفنا لباب خراسان: كل واحدة منهن نظيرة لصواحباتها، وفي هذا الفصيل تشرع أبواب لبعض السكك، وتجاهك الطاقات الصغرى التي تلي دهليز المدينة الذي يخرج منه إِلَى الرحبة الدائرة حول القصر والمسجد.
حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن المحسن، قَالَ: قَالَ لي الْقَاضِي أَبُو بكر بْن أَبِي مُوسَى الهاشمي: انبثق البثق من قبين، وجاء الماء الأسود فهدم طاقات باب الكوفة، ودخل المدينة فهدم دورنا، فخرجنا إِلَى الموصل وذلك في سني نيف وثلاثين وثلاث مائة، وأقمنا بالموصل سنين عدة ثم عدنا إِلَى بغداد فسكنا طاقات العكي.
قلت: بلغني عَنْ أَبِي عثمان عمرو بْن بحر الجاحظ، قَالَ: قد رأيت المدن العظام، والمذكورة بالإتقان والإحكام، بالشامات وبلاد الروم وفي
পৃষ্ঠা - ৯৯
غيرهما من البلدان، لم أر مدينة قط أرفع سمكا، ولا أجود استدارة، ولا أنبل نبلا، ولا أوسع أبوابا، ولا أجود فصيلا، من الزوراء، وهي مدينة أَبِي جعفر المنصور، كأنما صبت في قالب وكأنما أفرغت إفراغا، والدليل على أن اسمها الزوراء قول سلم الخاسر:
أين رب الزوراء إذ قلدته الملك عشرين حجة واثنتان
أَخْبَرَنَا الحسين بْن محمد المؤدب، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ الشطي، قَالَ: نَبَّأَنَا أَبُو إسحاق الهجيمي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القاسم أَبُو العيناء، قَالَ: قَالَ الربيع: قَالَ لي المنصور: يا ربيع هل تعلم في بنائي هذا موضعا إن أخذني فيه الحصار خرجت خارجا منه على فرسخين؟ قَالَ: قلت: لا.
قَالَ: بلى، في بنائي هذا ما إن أخذني فيه الحصار خرجت خارجا منه على فرسخين.
حدثت عَنْ أبي عبيد الله مُحَمَّد بْن عمران بْن مُوسَى المرزباني، قَالَ: دفع إِلي العباس بْن الْعَبَّاسِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن المغيرة الجوهري كتابا، ذكر أنه بخط عَبْد الله بْن أَبِي سعد الوراق فكان فيه: حَدَّثَنَا عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن عياش التميمي المروروذي، قَالَ: سمعت جدي عياش بْن القاسم، يقول: كان على أبواب المدينة مما يلي الرحاب ستور وحجاب، وعلى كل باب قائد.
فكان على باب الشام سُلَيْمَان بْن مجالد في ألف، وعلى باب البصرة أَبُو الأزهر التميمي في ألف، وعلى باب الكوفة خالد العكي في ألف، وعلى باب خراسان مسلمة بْن صهيب الغساني في ألف.
وكان لا يدخل أحد من عمومته، يَعْنِي: عمومة المنصور، ولا غيرهم من هذه الأبوب إلا راجلا، إلا داود بْن عَلِيّ عمه فإنه كان منقرسا، فكان يحمل في محفة، ومحمد المهدي ابنه،
পৃষ্ঠা - ১০০
وكانت تكنس الرحاب في كل يوم يكنسها الفراشون، ويحمل التراب إِلَى خارج المدينة، فقال له عمه عَبْد الصمد: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب، فلم يأذن له.
فقال: يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الروايا التي تصل إِلَى الرحاب.
فقال: يا ربيع بغال الروايا تصل إِلَى رحابي؟ فقال: نعم، يا أمير المؤمنين.
فقال: تتخذ الساعة قني بالساج من باب خراسان حتى تجيء إِلَى قصري، ففعل.
أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن المؤدب، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن إِبْرَاهِيمَ الشطي بجرجان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إسحاق الهجيمي، قَالَ: قَالَ أَبُو العيناء: بلغني أن المنصور جلس يوما، فقال للربيع: انظر من بالباب من وفود الملوك فأدخله.
قَالَ: قلت وافد من قبل ملك الروم.
قَالَ: أدخله.
فدخل، فبينا هو جالس عند أمير المؤمنين، إذ سمع المنصور صرخة كادت تقلع القصر، فقال: يا ربيع ينظر ما هذا؟ قَالَ: ثم سمع صرخة هي أشد من الأولى، فقال: يا ربيع ينظر ما هذا؟ قَالَ: ثم سمع صرخة هي أشد من الأوليين.
فقال: يا ربيع اخرج بنفسك.
قَالَ: فخرج الربيع ثم دخل، فقال: يا أمير المؤمنين بقرة قربت لتذبح، فغلبت الجازر وخرجت تدور في الأسواق، فأصغى الرومي إِلَى الربيع يتفهم ما قَالَ، ففطن المنصور لإصغاء الرومي، فقال: يا ربيع أفهمه.
قَالَ: فأفهمه.
فقال الرومي: يا أمير المؤمنين إنك بنيت
পৃষ্ঠা - ১০১
بناء لم يبنه أحد كان قبلك، وفيه ثلاثة عيوب.
قَالَ: وما هي؟ قَالَ: أما أول عيب فيه فبعده من الماء، ولا بد للناس من الماء لشفاههم، وأما العيب الثاني فإن العين خضرة وتشتاق إِلَى الخضرة، وليس في بنائك هذا بستان، وأما العيب الثالث فإن رعيتك معك في بنائك وإذا كانت الرعية مع الملك في بنائه فشا سره.
قَالَ: فتجلد عليه المنصور، فقال له: أما قولك في الماء فحسبنا من الماء ما بل شفاهنا، وأما العيب الثاني فإنا لم نخلق للهو واللعب، وأما قولك في سري فمالي سر دون رعيتي.
قَالَ: ثم عرف الصواب فوجه بشميس وخلاد، وخلاد هو جد أَبِي العيناء، فقال: مدا لي قناتين من دجلة، واغرسوا لي العباسية، وانقلوا الناس إلى الكرخ.
قلت: مد المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة، وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات، وجرهما إلى مدينته في عقود وثيقة من أسفلها، محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فكانت كل قناة منهما تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض، وتجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في وقت، وجر لأهل الكرخ وما اتصل به نهرا يقال له: نهر الدجاج، وإنما سمي بذلك لأن أصحاب الدجاج كانوا يقفون عنده، ونهرا يقال له: نهر القلائين حَدَّثَنَا من أدركه جاريا يلقي في دجلة تحت الفرضة، ونهرا يسمى نهر طابق، ونهرا يقال له نهر البزازين فسمعت من يذكر أنه توضأ منه، ونهرا في مسجد الأنباريين رأيته لا ماء فيه.
وقد تعطلت هذه الأنهار ودرس أكثرها حتى لا يوجد له أثر.
وأنهارا نذكرها بعد إن شاء الله تعالى.